أخي الملتزم
احذر الوقوع في الأخطاء
الحمد لله المنعم المتفضل جلّ جلاله وعزّ ثناؤه نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمّد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين. أما بعد:
فهذه رسالة بسيطة جمعت فيها بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الملتزمين وغيرهم ممن نحسبهم كذلك إن شاء الله. وقد درجت على تسميتها بالأخطاء بدلاً من المعاصي لثلاثة أسباب:
1- أنها قد تقع من صالحين يخونهم طبعهم ويجرفهم معدنهم للوقوع فيها.
2- أنها قد تقع من بعض الصالحين عن طيب نية وحسن قصد.
3- أن كثيراً منها ليست معاصي عظيمة أو كبائر أصلاً وإنما هي زلات وهفوات قلّما يسلم منها أحد.
هذا وقد رأيت أن أبداُ بأخطاء في العقيدة لأهميتها ثم عرجت على أخطاء في العبادات وأخرى في الدعوة ثم ختمت هذا العمل بأخطاء متفرقة في الآداب والأخلاق والأحوال الشخصية. أسأل الله أن ينفعني وينفع غيري بهذا العمل كما أسأله أن لا يجعل هذا العمل حجة على صاحبه إنه جواد كريم.
أخطاء في العقيدة
1- الشرك الخفي: إن بعضاً من الصالحين قد يقع في الشرك من حيث لا يعلم. ومن أخطر أنواع الشرك وأدقه الشرك الخفي وليس الأصغر ذلك لأن الأصغر تستشعره النفس وتعلم به ومنه الرياء والسمعة. أما الشرك الخفي فسمي كذلك لخفائه ودقته، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته من الوقع فيه. قال صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال" قلنا: بلى، فقال: "الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل" [رواه ابن ماجة وحسنه الألباني]. لذا يجب الحذر من الوقوع فغي شراك هذا الشرك.
2- ضعف التوكل: تجد كثيراً من الصالحين يسابق في الخيرات ويعمل الصالحات ويتجنب النكرات ولكنه ضعيف التوكل على الله. والتوكل عبادة عظيمة جليلة متى ما توثقت عراها واشتد عودها. ولا عجب في هذا الأمر فقد تمنّى الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام لو يتوكلون على الله حق التوكل كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تروح خماصاً وتغدو بطاناً". لذا يجب تقوية التوكل مع بذل الأسباب المطلوبة.
3- تغليب جانب الرجاء على الخوف والعكس: بعض الصالحين يغلب جانب الرجاء حتى لا يبقى في قلبه خوف والبعض الآخر يغلب الخوف حتى لا يبقى في قلبه رجاء، فإما أن يرجو الله رجاءً يؤمنه من مكر الله وإما أن يخاف خوفاً يقنّطه من رحمة الله. لذا يجب الحرص على التوازن السديد فلا يطغى هذا على هذا.
4- التساهل في مسألة الولاء والبراء: فمن الصالحين من يُلاطف الكفار ويمازحهم ويتجاذب معهم ما حسن وطاب من أطراف الحديث سواء في مقر عمله أو خارجه، وهذا مما يخالف قاعدة الولاء والبراء التي تعتبر من أساسات الدين العظيمة.
5- الوقوع في بعض الألفاظ الشركية: ومنها قول: (لولا فلان) والحلف أو السؤال بالأمانة، وقول: (شاءت الأقدار) وقول: (لسوء الحظ) إلى غير ذلك من الألفاظ القادحة في العقيدة.
أخطاء في العبادات
1- عدم استحضار النية في بعض العبادات: ومن ذلك عدم استحضار النية أثناء الوضوء وأثناء الصلاة أو الصوم أو الحج واتخاذ العبادات المشروعة عادة لا روح فيها ولا استشعار. فعلى سبيل المثال استحضار تكفير الخطايا أثناء الوضوء يقوي الإيمان ويضاعف الأجر، وكذلك استحضار محبة الله للصائمين أثناء الصوم يزيد من حب العبد لله والصبر في سبيله بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من الثواب العظيم.
2- العُجب واالاغترار بالعمل: إن العجب إذا خالط العمل أفسده. فكثير من الصالحين قد سلم من الرياء والسمعة ولكنه لم يسلم من العجب بالعمل، كما أن من الصالحين من غره كثرة عمله فوقع في المحذور، فليتنبه من علم.
3- تحميل النفس وتكليفها بما لا تستطيع من العبادات: فتجد مثلاً بعض الصالحين يجهد نفسه في قيام الليل ويصوم الدهر- المنهي عنه- ويطيل الاعتكاف حتى يُصاب بالفتور والملل مما قد يؤدي إلى الانتكاس، نسأل الله العافية. لذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالقصد في العمل والمداومة ولو على اليسير منه بدلاً من إرهاق النفس بما ينفرها. قال تعالى: (لا يُكلّفُ الله نفساً إلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 286].
4- التفريط في السنن والمستحبات: فتجد بعض الصالحين يأتي بالسنن تارة ويتركها تارة ويفعل المستحبات تارة ويتركها تارة فيحرم نفسه من الأجر ويفرط في أعمال ترفع درجاته وتحط من ذنوبه. يجدر بمن نحسبهم من الصالحين أن يتمسكوا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وأن يسابقوا إلى جنة عرضها السموات والأرض بالمحافظة على المستحبات.
5- تقديم المهم على الأهم: فتجد بعض الصالحين يواظب على السنن الرواتب ويفوت على نفسه التكبيرة الأولى، ومنهم من يحضر حلقات القرآن ومجالس العلم ويهمل تربية أسرته أو القيام على خدمة أبويه المحتاجين، وهكذا ينشغل بالمندوبات عن المستحبات وبالمستحبات عن السنن وبالسنن عن الواجبات.
أخطاء في الدعوة
1- عدم الدعوة إلى الله: من الصالحين من هو صالح في ذاته ولا يتعدى نفعه إلى غيره فلا يبذل ولو جهداً يسيراً في الدعوة إلى الله ولو بكلمة طيبة وأخذ على يد سفيه أو إهداء شريط أو كتاب إسلامي.
2- السكوت عن المنكرات: لقد أصبح بعض الصالحين يتغاضون عن المنكرات وهي تُفعل بمرأى منهم ويسكتون عنها رغم فظاعتها أحياناً. وهذا خطأ كبير وإذا سألت أحدهم قال: إن الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يَضُرُّكُم من ضلّّ إذا اهْتدَيْتُمْ) [المائدة: 105] وهذا فهم خاطىء للآية إذ أن السكوت عن المنكر وفاعله لا يكون إلا بعد استنفاد السبل المتاحة واستفراغ الطاقة واستبراء الذمة.
3- الجهل بدرجات المنكر: فتجد بعض الصالحين ينكر على من يحلق لحيته ولا ينكر على الذي لا يشهد الصلاة مع جماعة المسلمين. وقد تجده ينكر على المعاكسين من الشباب ولا ينكر على النساء والفتيات المسببات للفتنة أصلاً بعدم تسترهن وتحجبهن.
4- الجهل بدرجات الإنكار: فتجد بعض الصالحين يستخدم القوة في موضع اللين واليد في موضع اللسان والقلب في موضع اليد جهلاً منه بدرجة الإنكار التي تناسب إنكار منكر أمامه. فعلى سبيل المثال تارك الصلاة يجب الإغلاظ عليه وهجره وزجره واستعمال الشدة في نهيه حتى يتوب ويرجع، أما مسبل الثوب فيكفي نصحه بالقول ووعظه.
أخطاء متفرقة
1- عدم احتساب الأجر في بعض الأعمال التي ليست عبادة في نفسها خصوصا تلك الأعمال التي يكون نفعها متعدياً كالمدرس في مهنة التعليم والطبيب في مهنة الطب والشرطي والجندي..إلخ. إن عدم الاحتساب يُفوّت الكثير من الأجر على كثير من الصالحين فضلاً عن كثير من باقي الناس.
2- طلب العلم للدنيا فقط: فإن طلبه ليستعين به ويستفيد منه ويفيد فلا حرج إن شاء الله.
3- تضييع الأوقات في ما لا فائدة فيه: ومن ذلك قضاء الوقت في الرياضة واللهو واللغو واللغط الفارغ ومجالسة أصحاب الأهواء وتضييع غالب الوقت في الرحلات والجولات وخذ وهات. ولا مانع من ذلك كله ولكن بضوابط معروفة.
4- الإسراف والتبذير والانغماس في الملذات والشهوات: ومن ذلك الإسراف في المأكل والمشرب والملبس والمركب، واللهاث خلف حطام الدنيا وزينتها، وجعل الدنيا ومتاعها الهمّ المستحوذ على القلب والعقل. قال تعالى: (وابْتغِ فيما آتاك اللهُ الدَّارَ الآخرةَ ولا تنسَ نصيبكَ مِنَ الدُّنْيا) [القصص: 77].
5- الغيرة المذمومة: ومنه الشك الزائد في تصرفات الزوجة لأدنى سبب من الأسباب وكذلك الأمر بالنسبة لسلوك أفراد الأسرة، فكل غيرة تجاوزت حدها فهي مذمومة ونتائجها عكسية.
6- الاستهانة بالمكروهات: فمن الصالحين من يكثر من أكل الثوم والبصل فيؤذي المصلين، ومنهم من يكثر من قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، وكلها أمور يكرهها الله تعالى كما أنها وسيلة للوقوع فيما هو أعظم خطراً.
7- عدم الاهتمام لقضايا الإسلام والمسلمين: فترى بعض الصالحين لا يهمهم سوى أنفسهم يصلون ويصومون ويسارعون في أمور الخير ولكنهم لا يشاطرون المسلمين همومهم ولا يتفاعلون مع قضايا الدين.
8- مخالطة السفهاء والفساق والاستئناس بهم: وهذا لا يجدر بمن نتعشم فيه الصلاح لأن في ذلك إضاعة للوقت وقسوة للقلب وخوضاً في ما لا فائدة فيه، ولما في ذلك من إيناس للعصاة واستحسان لما هم فيه من حال.
9- التزمت والإفراط في الزهد والتبذل: فتجد بعض الصالحين يلبسون الثياب المرقعة ولا يهتمون بنظافة أبدانهم وحسن مظهرهم، وقد يصل بهم الأمر إلى اعتزال الناس والتبتل وحبس النفس عن بعض المباحات والطيبات لأنهم يعتقدون أن هذا من الدين مع أن هذا مما لا يمت للشريعة الغراء بصلة بل إن ذلك مما نهى عنه نبينا محمّد صلى الله عليه وسلم فلنا فيه أسوة حسنة.
10-إساءة الظن ببعض المسلمين والتسرع في إطلاق الأحكام: فتجد من الصالحين من يسيء الظن بإخوانه المسلمين ويطلق أحكام التكفير والتفسيق جزافاً دونما تثبت وتروٍ، فيفسق هذا لأنه لا يحلق لحيته ويكفر هذا لأنه لم يره في المسجد قط. وهذا أمر يجب التفطن له والإحجام عنه تماماً لشدة خطره.
11-العجز والكسل وإيثار الراحة والدعة: فتجد بعض الصالحين ليس له هواية سوى النوم والتقلب على الفراش لا يريد أن يعمل أو يطرق أبواباً من الرزق مباحة فيظن أن الحياة عبادة ونوم فقط لا غير، وهذا اعتقاد يجب تصحيحه بل إن هذا بعيد عن أوامر الدين كل البعد.
12-الإهمال في الوظيفة وعدم إتقان العمل: فتجد بعض الصالحين يتأخر عن دوامه وأحياناً يخرج من عمله بدون إذن وأحياناً أخرى لا يؤدي عمله على الوجه المطلوب مع أن كل ما سبق التزامات وعقود يجب الوفاء بها.
13-القول والفتوى بغير علم: فهناك من الصالحين من لا يتورع عن القول في الدين بغير علم وهدى، فيجادل في الدين ويماري ويخوض فيما يجهل ويتقدم بين يدي من هو أعلم منه ويتسرع في الفتوى ويتصدى لها رغم حداثة علمه وقلة فقهه.
14-الفظاظة والغلظة في التعامل: فتجد من الصالحين من هو صالح في ذاته ولكنه لا يعرف ليناً ولا رقة، يعامل أهله وأولاده بالتعسف والشدة، ويقابل الآخرين بوجه مكفهر وأسلوب جاف لا يعرف ابتساماً ولا لطفاً. ولا يخفى على السواد الأعظم ما يترتب على حسن الخلق من الأجر العظيم.
15-الغضب المذموم والعجلة: فتجد من الصالحين من يغضب لأدنى سبب، إن انكسر ماعون في البيت انتفخت أوداجه وعلا صياحه، وإن نصحه مسلم غضب وحنق، وإن خاصمه جاهل غلبته العجلة فأعاد عليه الكرَّة بالضرب والشتم.
16-تخصيص السلام: فترى في الصالحين من يلقي السلام على من يعرف فقط، وهذا ليس من خلق المسلم وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام على من نعرف ومن لم نعرف من المسلمين.
17-عدم إجابة الدعوة: فتجد من الصالحين من لا يجيب دعوة إلى مناسبة أو وليمة بحجة أن مجالس واجتماعات كهذه ليس فيها فائدة، وهذه حجة باطلة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوجب إجابة الدعوة متى حصلت من مسلم لأخيه المسلم ما لم يكن في هذه الدعوة منكر لا يمكن دفعه.
كانت هذه بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصالحين ممن نحسبهم كذلك إن شاء الله وهذا لا يعني عصمة الناصح- حاشا لله- فالكل خطاء، نسأل الله أن يعفو عن سيئاتنا وأن يضاعف حسناتنا، إنه جواد كريم والحمد لله رب العلمين.
وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.
منقـــــــــــــــــــــول للفائدة