من مواقف النبي نستقي الهدى والتقى، والعفاف والغنى، ونشرب كأس الحب صافيا، فنشعر بقطرات من الرحمة تملأ القلب والوجدان.. وتنبت في أرض إيماننا الود والحنان، فتهون علينا كل متاعب الزمان.. فهيا بنا نجلس على مائدة الرحمة المحمدية، لنرى بعين قلوبنا قطرات نزلت من عين النبي، فشغلت حملة عرش الرحمن عن التسبيح..
تقول الرواية: بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الطواف، إذ سمع أعرابياً يقول: يا كريم، فقال النبي خلفه: يا كريم فمضى الإعرابي إلى جهة الميزاب، وقال: يا كريم، فقال النبي خلفه: يا كريم، فالتفت الأعرابي إلى النبي، وقال: يا صبيح الوجه, يا رشيق القدّ, أتهزأ بي لكوني أعرابياً؟ والله لولا صباحة وجهك ورشاقة قدك لشكوتك إلى حبيبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- فتبسم النبي وقال: أما تعرف نبيك يا أخا العرب؟ قال الأعرابي: لا، قال النبي: فما إيمانك به؟ قال: آمنت بنبوّته ولم أره، وصدّقت برسالته، ولم ألقه.
قال النبي: يا أعرابي, اعلم أني نبيك في الدنيا وشفيعك في الآخرة، فأقبل الأعرابي يقبّل يد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال النبي: مه يا أخا العرب لا تفعل بي كما تفعل الأعاجم بملوكها, فإن الله سبحانه وتعالى بعثني لا متكبراً ولا متجبراً, بل بعثني بالحق بشيراً ونذيراً، فهبط جبريل على النبي وقال له: يا محمد، السلام يقرئك السلام، ويخصّك بالتحية والإكرام, ويقول لك: قل للأعرابي: لا يغرّنه حلمنا ولا كرمنا, فغداً نحاسبه على القليل والكثير, والفتيل والقطمير، فقال الأعرابي: أوَيحاسبني ربي يا رسول الله؟ قال: نعم يحاسبك إن شاء، فقال الأعرابي: وعزته وجلاله, إن حاسبني لأحاسبنه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وعلى ماذا تحاسب ربك يا أخا العرب؟ قال الأعرابي: إن حاسبني ربي على ذنبي حاسبته على مغفرته, وإن حاسبني على معصيتي حاسبته على عفوه, وإن حاسبني على بخلي حاسبته على كرمه.
فبكى النبي حتى ابتلّت لحيته، فهبط جبريل على النبي، وقال: يا محمد, السلام يقرئك السلام, ويقول لك: يا محمد قلّل من بكائك، فقد ألهيتَ حملة العرش عن تسبيحهم، وقل لأخيك الأعرابي لا يحاسبنا ولا نحاسبه، فإنه رفيقك في الجنة.. فالله الله يا نفسي، فإنه من رَحِم يُرحم، ومن ظنّ بالله خيرا وجد الخير كل الخير.. وما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم.. فاللهم ارزقنا حسن الظن بك.. واملأ قلوبنا برحمة من لدنك، ترحمنا بها من الخزي في الدنيا.. ومن العذاب يوم القيامة.